فصل: فيمَنْ بُعِثَ مَعَهُ مَالٌ إلَى رَجُلٍ فَهَلَكَ الرَّسُولُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ أَوْ بَعْدَ مَا بَلَغَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.في الرَّجُلِ يَتَصَدَّقُ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ بِصَدَقَةٍ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا مِنْ نَفْسِهِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَتَصَدَّقُ بِالْجَارِيَةِ عَلَى ابْنِهِ وَهُوَ صَغِيرٌ فيتْبِعُهَا نَفْسَهُ، أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ، يُقَوِّمُهَا عَلَى نَفْسِهِ وَيُشْهِدُ وَيَسْتَقْصِي لِلِابْنِ.
قُلْت: فَلَوْ أَنَّ أَجْنَبِيًّا تَصَدَّقَ عَلَى أَجْنَبِيٍّ بِصَدَقَةٍ، أَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ ثَمَرَتِهَا أَوْ يَرْكَبَهَا إنْ كَانَتْ دَابَّةً أَوْ يَنْتَفِعَ بِشَيْءٍ مِنْهَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ الْأَبَ؟ قَالَ نَعَمْ إذَا احْتَاجَ وَقَدْ وَصَفْتُ لَكَ ذَلِكَ.
قُلْت: فَالْأُمُّ تَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ؟
قَالَ: نَعَمْ في رَأْيِي وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا احْتَاجَا أَنْفَقَ عَلَيْهِمَا مِمَّا تَصَدَّقَا عَلَى الْوَلَدِ سَحْنُونٌ.
عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ رَجُلًا تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ بِغُلَامٍ، ثُمَّ احْتَاجَ الرَّجُلُ إلَى أَنْ يُصِيبَ مِنْ غَلَّةِ الْغُلَامِ شَيْئًا فَسَأَلَ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ صَاحِبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: مَا أَكَلَ مِنْ غَلَّتِهِ فَلَيْسَ لَهُ فيهِ أَجْرٌ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: دَعَوَا الصَّدَقَةَ وَالْعَتَاقَةَ لِيَوْمِهِمَا.
وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ في الْفَرَسِ الَّتِي تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ فَأَقَامُوهَا لِلْبَيْعِ - وَكَانَتْ تُعْجِبُ زَيْدًا - فَنَهَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ في الْفَرَسِ الَّذِي حَمَلَ عَلَيْهِ في سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَضَاعَهُ صَاحِبُهُ وَأَضَرَّ بِهِ وَعَرَضَهُ لِلْبَيْعِ، فَسَأَلَ عُمَرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّهُ يَبِيعُهُ بِرُخْصٍ أَفَأَشْتَرِيهِ؟ فَقَالَ: «لَا وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ إنَّ الَّذِي يَعُودُ في صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ في قَيْئِهِ».
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَشْتَرِي الرَّجُلُ صَدَقَتَهُ، لَا مِنْ الَّذِي تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ.
تَصَدَّق بِصَدَقَةِ وَجَعَلَهَا عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ فَأَرَادَ الْمُتَصَدِّق عَلَيْهِ أَنْ يَقْبِضَهَا.

.في الرَّجُلِ يَتَصَدَّقُ عَلَى الرَّجُلِ الْمَرْضِيُّ بِالصَّدَقَةِ وَيَجْعَلُهَا لَهُ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ فيرِيدُ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْبِضَهَا:

قُلْت: أَرَأَيْت إنْ تَصَدَّقْتُ عَلَى رَجُلٍ بِدَرَاهِمَ، وَالرَّجُلُ الَّذِي تَصَدَّقْتُ بِهَا عَلَيْهِ مَرَضِيٌّ في نَفْسِهِ، لَيْسَ بِسَفيهٍ وَلَا مَحْجُورٍ عَلَيْهِ، فَتَصَدَّقْتُ عَلَيْهِ بِدَرَاهِمَ وَجَعَلْتهَا عَلَى يَدَيْ غَيْرِهِ وَهُوَ مَعِي حِينَ تَصَدَّقْتُ، فَجَعَلْتُهَا عَلَى يَدَيْ مَنْ أَعْلَمْتُك - وَالْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ يَعْلَمُ ذَلِكَ - فَلَمْ يَقُمْ عَلَى صَدَقَتِهِ حَتَّى مِتُّ أَنَا، أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهَا بَعْدَ مَوْتِي أَمْ قَدْ صَارَتْ لِوَرَثَتِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحُزْ صَدَقَتَهُ؟
قَالَ: إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْمُتَصَدِّقُ عَلَى الَّذِي جَعَلَهَا عَلَى يَدَيْهِ أَنْ لَا يَدْفَعَهَا إلَى الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ إلَّا بِإِذْنِي، فَلِلْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ أَنْ يَقْبِضَ صَدَقَتَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُتَصَدِّقِ؛ لِأَنَّ الْمُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ لَوْ شَاءَ أَخَذَ صَدَقَتَهُ وَإِنَّمَا تَرَكَهَا في يَدَيْ رَجُلٍ قَدْ حَازَهَا لَهُ، وَلَوْ أَرَادَ الْمُتَصَدِّقُ أَنْ يَأْخُذَهَا بَعْدَمَا تَصَدَّقَ بِهَا وَجَعَلَهَا عَلَى يَدَيْ هَذَا الَّذِي حَازَهَا لِلْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ، لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الصَّدَقَةِ أَنْ يَأْخُذَهَا إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَى الَّذِي جَعَلَهَا عَلَى يَدَيْهِ أَنْ لَا يَدْفَعَهَا إلَّا بِإِذْنِهِ، فَإِنْ كَانَ اشْتَرَطَ مَا أَخْبَرْتُكَ فَلَا صَدَقَةَ لَهُ.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَدْفَعُ إلَى الرَّجُلِ الدَّنَانِيرَ يُفَرِّقُهَا في سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ يَدْفَعُهَا إلَى الْمَسَاكِينِ - وَالدَّافِعُ صَحِيحٌ سَوِيٌّ - فَلَا يُقَسِّمْهَا الَّذِي أُعْطِيهَا حَتَّى يَمُوتَ الَّذِي أَعْطَاهَا.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ أَشْهَدَ حِينَ دَفَعَهَا إلَى مَنْ أَمَرَهُ بِتَفْرِيقِهَا فَقَدْ جَازَتْ وَهِيَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى مَسْأَلَتِكَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ كَانَ لَمْ يَشْهَدْ حِينَ دَفَعَهَا إلَيْهِ وَأَمَرَهُ بِتَفْرِقَتِهَا، فَمَا بَقِيَ مِنْهَا يَوْمَ يَمُوتُ الْمُعْطِي رَدَّهُ إلَى الْوَرَثَةِ وَلَا يُنْفِقُهُ فيهَا مَا أَمَرَهُ بِهَا.
فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَتْ لِلْوَرَثَةِ.
وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ يَحْبِسُ الْحَبْسَ فيجْعَلُهُ عَلَى يَدِ رَجُلٍ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي حَبَسَ عَلَيْهِمْ كِبَارًا فيجُوزُ ذَلِكَ.
أَلَا تَرَى أَنَّ أَحْبَاسَ مَنْ مَضَى عُمْرَى وَغَيْرَهُ إنَّمَا كَانَتْ في يَدَيْ مَنْ جَعَلُوهَا عَلَى يَدَيْهِ يُجْرُونَ غَلَّتَهَا فيمَا أُمِرُوا بِهَا فَكَانَتْ جَائِزَةً وَكَانَتْ مَقْبُوضَةً.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قُلْت لِمَالِكٍ: فَمَا يَشْتَرِي النَّاسُ في حَجِّهِمْ مِنْ الْهَدَايَا لِأَهْلِهِمْ مِثْلَ الثِّيَابِ كِسْوَةً لِأَهْلِهِ ثُمَّ يَمُوتُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى بَلَدِهِ.
قَالَ: إنْ كَانَ أَشْهَدَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ رَأَيْتُهُ لِمَنْ اشْتَرَاهُ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ فَهُوَ مِيرَاثٌ.
قَالَ: فَقُلْت لِمَالِكٍ: وَالرَّجُلُ يَبْعَثُ بِالْهَدِيَّةِ أَوْ بِالصِّلَةِ إلَى الرَّجُلِ وَهُوَ غَائِبٌ، فيمُوتُ الَّذِي بَعَثَ بِهَا أَوْ الَّذِي بُعِثَتْ إلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ إلَى الْمَبْعُوثِ إلَيْهِ؟
قَالَ: إنْ كَانَ أَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ حِينَ بَعَثَهَا عَلَى إنْفَاذِهَا فَمَاتَ الْبَاعِثُ بِهَا فَهِيَ لِلَّذِي بُعِثَ إلَيْهِ، وَإِنْ مَاتَ الَّذِي بُعِثَ إلَيْهِ بَعْدَمَا أَنَفَذَهَا وَأَشْهَدَ عَلَيْهَا فَهِيَ لِوَلَدِ الْمَبْعُوثِ بِهَا إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَشْهَدَ الْبَاعِثَ عَلَيْهَا حِينَ بَعَثَهَا فَأَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ تَضِلَّ فَهِيَ تَرْجِعُ إلَى الْبَاعِثِ أَوْ وَرَثَتِهِ.
ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ اللَّيْثِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ في الرَّجُلِ يُرْسِلُ إلَى صَاحِبِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمِ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَيْهِ وَأَشْهَدَ عَلَيْهَا، فَأَلْفَاهُ رَسُولُهُ قَدْ مَاتَ وَقَدْ كَانَ حَيًّا يَوْمَ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ فَطَلَبهَا وَرَثَتُهُ وَقَالَ الْمُتَصَدِّقُ: إنَّمَا أَرَدْت بِهَا صِلَتَهُ.
قَالَ: إنْ كَانَ تَصَدَّقَ وَأَشْهَدَ عَلَى صَدَقَتِهِ - وَالْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ يَوْمئِذٍ حَيٌّ - ثُمَّ تُوُفي قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَهُ الصَّدَقَةُ، فَقَدْ ثَبَتَ لِلَّذِي تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لِلَّذِي تَصَدَّقَ بِهَا فيهَا رُجُوعٌ وَقَدْ انْبَتَّتْ مِنْهُ.

.في الدَّعْوَى في الرَّجُلِ يَتَصَدَّقُ عَلَى الرَّجُلِ بِالْحَائِطِ وَفيهِ ثَمَرَةٌ قَدْ طَابَتْ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَتَصَدَّقُ عَلَى الرَّجُلِ بِالْحَائِطِ وَفيهِ ثَمَرَةٌ قَدْ طَابَتْ فَقَالَ الْمُتَصَدِّقُ: إنَّمَا تَصَدَّقْتُ عَلَيْهِ بِالْحَائِطِ دُونَ الثَّمَرَةِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْحَائِطِ مِنْ حِينِ تُؤَبَّرُ الثَّمَرَةُ.
قُلْت: فَهَلْ يَحْلِفُ؟
قَالَ: لَا وَمَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَهَبُ النَّخْلَ لِلرَّجُلِ وَفيهِ ثَمَرٌ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ لَمْ تُؤَبَّرْ فَهِيَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ أُبِّرَتْ رَأَيْتُ الْقَوْلَ فيهَا قَوْلَ الْوَاهِبِ فَإِنْ قَالَ: إنَّمَا وَهَبْتُ النَّخْلَ وَحْدَهَا وَاحْتَبَسْتُ الثَّمَرَةَ فَذَلِكَ لَهُ وَهُوَ مُصَدَّقٌ.
قُلْت: فَكَيْفَ يَكُونُ وَجْهُ الْحِيَازَةِ الْمَعْرُوفَةِ الَّتِي إذَا حَازَ النَّخْلَ فَهِيَ حِيَازَةٌ وَإِنْ كَانَ رَبُّهَا يَسْقِيهَا لِمَكَانِ ثَمَرَتِهِ؟
قَالَ: إنْ كَانَ خُلِّيَ بَيْنَ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَبَيْنَ سَقْيِهَا، فَإِنَّ حِيَازَةَ الْمَوْهُوبِ لَهُ النَّخْلَ حِيَازَةٌ، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ يَحُدُّ في هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ في الْحِيَازَةِ شَيْئًا.

.في الرَّجُلِ يَهَبُ النَّخْلَ لِلرَّجُلِ وَيَشْتَرِطُ ثَمَرَتَهَا لِنَفْسِهِ سِنِينَ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَهَبَ نَخْلًا لِرَجُلٍ وَاشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ ثَمَرَتَهَا عَشْرَ سِنِينَ، أَيَجُوزُ ذَلِكَ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: إنْ كَانَ سَلَّمَ النَّخْلَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ يَسْقِيهَا بِمَاءِ نَفْسِهِ وَلِلْوَاهِبِ ثَمَرَتُهَا، فَإِنَّ هَذَا لَا يَصْلُحُ؛ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ: اسْقِهَا إلَى عَشْرِ سِنِينَ ثُمَّ هِيَ لَكَ وَهُوَ لَا يَدْرِي أَتَسْلَمُ النَّخْلُ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ أَمْ لَا.
قَالَ: وَلَقَدْ سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَدْفَعُ إلَى الرَّجُلِ الْفَرَسَ يَغْزُو عَلَيْهِ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، يُنْفِقُ عَلَيْهِ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ الْفَرَسُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ، ثُمَّ هُوَ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ بَعْدَ الْأَجَلِ وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ؟
قَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ فيهِ وَكَرِهَهُ وَبَلَغَنِي عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ مَاتَ الْفَرَسُ قَبْلَ السَّنَتَيْنِ أَتَذْهَبُ نَفَقَتُهُ بَاطِلًا؟
قَالَ مَالِكٌ: فَهَذَا غَرَرٌ لَا خَيْرَ فيهِ، فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى مَسْأَلَتِكَ في النَّخْلِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ كَانَتْ النَّخْلُ في يَدِ الْوَاهِبِ يَسْقِيهَا وَيَقُومُ عَلَيْهَا وَلَمْ يُخْرِجْهَا مِنْ يَدِهِ، فَإِنَّمَا هَذَا رَجُلٌ وَهَبَ نَخْلَهُ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ، فَذَلِكَ جَائِزٌ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ إنْ سُلِّمَتْ النَّخْلُ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ وَلَمْ يَمُتْ رَبُّهَا وَلَمْ يَلْحَقْهُ دَيْنٌ، فَلَهُ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهَا فيأْخُذَهَا، وَإِنْ مَاتَ رَبُّهَا أَوْ لَحِقَهُ دَيْنٌ فَلَا حَقَّ لَهُ فيهَا.
ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ في رَجُلِ أَتَى قَوْمًا فَأَعْطَوْهُ إلَى الْعَطَاءِ وَكَتَبُوا لَهُ وَدَفَعُوا إلَيْهِ الْكِتَابَ فَبَلَغَ مَا أَعْطَى فَنَزَعَ رِجَالٌ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَضَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ الصَّدَقَةَ جَائِزَةٌ، لَيْسَ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَرْجِعَ فيهَا.
وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ في الْفَرَسِ عَارِيَّةٌ لَكَ سِنِينَ: إنَّ شَرْطَهُ لَيْسَ مِمَّا يُبْطِلُ عَطِيَّتَهُ لَهُ.
أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَجُلٍ: هَذَا الْفَرَسُ عَارِيَّةٌ لَك سِنِينَ تَرْكَبُهُ ثُمَّ هُوَ لِفُلَانٍ بَعْدَك بَتْلًا، فيتْرُكُ الْمُعَارُ عَارِيَّتَهُ لِصَاحِبِ الْبَتْلِ: إنَّ حَقَّهُ يَجِبُ، وَتَصِيرُ الْفَرَسُ لَهُ.
فَهُوَ إذَا جَعَلَهُ عَارِيَّةً ثُمَّ صَيَّرَهُ إلَيْهِ سَقَطَتْ الْعَارِيَّةُ وَوَجَبَتْ الرَّقَبَةُ لَهُ وَلَمْ يَكُنْ فيهَا خَطَرٌ.

.في صَدَقَةِ الْبِكْرِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْجَارِيَةَ الَّتِي تَزَوَّجَتْ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا زَوْجُهَا، أَتَجُوزُ لَهَا صَدَقَتُهَا أَوْ عِتْقُهَا في ثُلُثِهَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ لَهَا شَيْءٌ حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا زَوْجُهَا، فَإِذَا دَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا جَازَ لَهَا ذَلِكَ إنْ عُلِمَ مِنْهَا صَلَاحٌ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ دَخَلَ بِهَا، هَلْ يُوَقِّتُ لَهَا مَالِكٌ وَقْتًا يَجُوزُ إلَيْهِ صَنِيعُهَا في ثُلُثِهَا؟
قَالَ: لَا، إنَّمَا وَقْتُهُ دُخُولُهُ بِهَا إذَا كَانَتْ مُصْلِحَةً.
قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، إنَّمَا قَالَ مَالِكٌ: إذَا دَخَلَ بِهَا وَعَرَفَ مِنْ صَلَاحِهَا.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لَا تَجُوزُ لِامْرَأَةٍ مَوْهِبَةٌ لِزَوْجِهَا وَلَا لِغَيْرِهِ حَتَّى تَعْلَمَ مَا يَنْقُصُهَا وَمَا يَزِيدُهَا.
ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ تُعْطِي زَوْجَهَا أَوْ تَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ وَلَمْ تَمُرَّ بِهَا سَنَةٌ أَوْ تُعْتَقُ.
قَالَ يَحْيَى: إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ لَيْسَتْ بِسَفيهَةٍ وَلَا ضَعِيفَةِ الْعَقْلِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ لَهَا.
ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: قَالَ رَبِيعَةُ: وَكُلُّ امْرَأَةٍ أَعْطَتْ وَهِيَ في سِتْرِهَا فَهِيَ بِالْخِيَارِ إذَا بَرَزَتْ.
فَإِنْ أَقَامَتْ عَلَى التَّسْلِيمِ وَالرِّضَا لِمَا أَعْطَتْ بَعْدَ أَنْ يَبْرُزَ وَجْهُهَا بِهَا فَعَطَاؤُهَا جَائِزٌ، وَإِنْ أَنْكَرَتْ رُدَّ عَلَيْهَا مَا أَعْطَتْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.كِتَابُ الْوَدِيعَةِ:

.اسْتَوْدَعَ رَجُل مَالًا فَدُفَعَهُ إلَى امْرَأَتِهِ أَوْ أَجِيرِهِ أَوْ أُمِّ وَلَدِهِ:

قُلْت لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ إذَا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلَ مَالًا فَوَضَعَهُ في بَيْتِهِ أَوْ في صُنْدُوقِهِ أَوْ عِنْدَ زَوْجَتِهِ أَوْ عِنْدَ عَبْدِهِ أَوْ عِنْدَ خَادِمِهِ أَوْ أُمِّ وَلَدِهِ أَوْ أَجِيرِهِ أَوْ مَنْ هُوَ في عِيَالِهِ أَوْ وَضَعَهُ عِنْدَ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِمَّنْ لَيْسَ في عِيَالِهِ فَضَاعَ أَيَضْمَنُ أَمْ لَا.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: في الرَّجُلِ يُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ فيسْتَوْدِعُهَا غَيْرَهُ.
قَالَ: إنْ كَانَ أَرَادَ سَفَرًا فَخَافَ عَلَيْهَا فَاسْتَوْدَعَهَا ثِقَةً فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ الَّذِي يُعْذَرُ بِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ، فَكُلُّ مَا عَلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ مِنْ عَوْرَةٍ يَخَافُهَا عَلَى مَنْزِلِهِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.
قَالَ: وَلَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ اسْتَوْدَعَ رَجُلًا مَالًا في سَفَرٍ، فَاسْتَوْدَعَهُ غَيْرَهُ في السَّفَرِ فَهَلَكَ الْمَالُ فَرَآهُ ضَامِنًا وَرَأَى أَنَّ السَّفَرَ لَيْسَ مِثْلُ الْبُيُوتِ، لِأَنَّهُ حِينَ دَفَعَهُ إلَيْهِ في السَّفَرِ إنَّمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ لِيَكُونَ مَعَهُ، وَفي الْبُيُوتِ إنَّمَا تُدْفَعُ الْوَدِيعَةُ إلَى الرَّجُلِ لِيُحْرِزَهَا في الْبَيْتِ، فَأَرَى عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ إنْ اسْتَوْدَعَ امْرَأَتَهُ أَوْ خَادِمَهُ لِيَرْفَعَاهَا في بَيْتِهِ، فَإِنَّ هَذَا لَا بُدَّ لِلرَّجُلِ مِنْهُ، وَمَنْ يَرْفَعُ لَهُ إلَّا امْرَأَتُهُ أَوْ خَادِمُهُ وَمَا أَشْبَهُهُمَا إذَا رَفَعُوهَا لَهُ عَلَى وَجْهِ مَا وَصَفْتُ لَك فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَالِكًا قَدْ جَعَلَ لَهُ إذَا خَافَ فَاسْتَوْدَعَهَا غَيْرَهُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ، فَكَذَلِكَ امْرَأَتُهُ وَخَادِمُهُ اللَّتَانِ يَرْفَعَانِ لَهُ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا دَفَعَهَا إلَيْهِمَا لِيَرْفَعَانِهَا لَهُ في بَيْتِهِ.
قَالَ: وَأَمَّا الْعَبْدُ وَالْأَجِيرُ فَهُمَا مِثْلُ مَا أَخْبَرْتُكَ.
وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ اُسْتُوْدِعَ مَالًا فَدَفَعَهُ إلَى امْرَأَتِهِ تَرْفَعُهُ لَهُ فَضَاعَ فَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ ضَمَانًا، وَأَمَّا الصُّنْدُوقُ وَالْبَيْتُ فَإِنِّي أَرَى: إنْ رَفَعَهُ فيهِ أَوْ في مِثْلِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ في قَوْلِ مَالِكٍ.
قُلْت: وَيُصَدَّقُ في أَنَّهُ دَفَعَهُ إلَيْهَا أَوْ أَنَّهُ اسْتَوْدَعَهُ إذَا ذَكَرَ اسْتَوْدَعَهُ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْتُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ فيهَا، أَيُصَدَّقُ في ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ ذَلِكَ بَيِّنَةً؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: وَيُصَدَّقُ أَنَّهُ خَافَ عَلَيْهَا أَوْ أَرَادَ سَفَرًا فَخَشِيَ عَوْرَةً فَاسْتَوْدَعَهَا لِذَلِكَ؟
قَالَ: لَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا وَعَرَفَ مِنْ مَنْزِلِهِ عَوْرَةً فيصَدَّقُ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ. وَإِلَّا فَلَا.

.فيمَنْ اُسْتُوْدِعَ وَدِيعَةً فَخَرَجَ بِهَا مَعَهُ في السَّفَرِ:

قَالَ: وَلَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ امْرَأَةٍ مَاتَتْ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ وَكَانَتْ وَرَثَتُهَا بِالْمَدِينَةِ، فَأَوْصَتْ إلَى رَجُلٍ فَكَتَبَ الرَّجُلُ وَصِيُّ الْمَرْأَةِ إلَى وَرَثَتِهَا فَلَمْ يَأْتِهِ مِنْهُمْ جَوَابٌ، وَطَلَبَ فَلَمْ يَأْتِهِ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَلَا خَبَرٌ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ حَاجًّا وَخَرَجَ بِالنَّفَقَةِ مَعَهُ لِيَطْلُبَ وَرَثَتَهَا لِيَدْفَعَهَا إلَيْهِمْ فَضَاعَتْ مِنْهُ في الطَّرِيقِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: أَرَاهُ ضَامِنًا حِينَ أَخْرَجَهَا بِغَيْرِ أَمْرِ أَرْبَابِهَا.
فَقَالُوا: إنَّهُ خَرَجَ بِهَا لِيَطْلُبَهُمْ فيدْفَعَهَا إلَيْهِمْ قَالَ مَالِكٌ: هُوَ عَرَّضَهَا لِلتَّلَفِ، فَلَوْ شَاءَ لَمْ يُخْرِجْهَا إلَّا بِإِذْنِهِمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا اسْتَوْدَعَنِي وَدِيعَةً فَحَضَرَ مَسِيرِي إلَى بَعْضِ الْبُلْدَانِ فَخِفْتُ عَلَيْهَا فَحَمَلْتُهَا مَعِي فَضَاعَتْ، أَأَضْمَنُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: وَكَيْفَ أَصْنَعُ بِهَا؟
قَالَ: تَسْتَوْدِعُهَا في قَوْلِ مَالِكٍ وَلَا تُعَرِّضُهَا لِلتَّلَفِ.

.فيمَنْ اُسْتُوْدِعَ دَرَاهِمَ أَوْ حِنْطَةً فَخَلَطَهَا بِمِثْلِهَا:

قُلْت: أَرَأَيْتَ رَجُلًا اسْتَوْدَعَ رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ فَخَلَطَهَا الْمُسْتَوْدَعُ بِدَرَاهِمِهِ فَضَاعَتْ الدَّرَاهِمُ كُلُّهَا أَيَكُونُ عَلَيْهِ ضَمَانٌ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا أَرَى عَلَيْهِ ضَمَانًا في رَأْيِي، لِأَنَّ وَدِيعَتَهُ قَدْ ضَاعَتْ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا خَلَطَ دَنَانِيرَ كَانَتْ عِنْدَهُ وَدِيعَةً في دَنَانِيرَ عِنْدَهُ فَضَاعَتْ الدَّنَانِيرُ كُلُّهَا فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ.

.فيمَنْ اُسْتُوْدِعَ حِنْطَةً فَخَلَطَهَا بِشَعِيرٍ:

قُلْت: فَلَوْ اسْتَوْدَعْت رَجُلًا حِنْطَةً فَخَلَطَهَا بِشَعِيرٍ لَهُ فَضَاعَ جَمِيعُ ذَلِكَ، أَيَكُونُ ضَامِنًا لِجَمِيعِ الْحِنْطَةِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، لِأَنَّهُ خَلَطَ الْحِنْطَةَ بِالشَّعِيرِ فَقَدْ ضَمِنَ لَهُ الْحِنْطَةَ حِينَ خَلَطَهَا.
قُلْت: وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الدَّرَاهِمَ إذَا خَلَطَهَا؟
قَالَ: لَا، لِأَنَّ الْحِنْطَةَ الَّتِي خَلَطَهَا بِالشَّعِيرِ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَتَخَلَّصَهَا مِنْ الشَّعِيرِ، وَالدَّرَاهِمُ الَّتِي خَلَطَهَا إنَّمَا هِيَ دَرَاهِمُ وَدَرَاهِمُ، فَلِهَذَا مِنْهَا بِقَدْرِ دَرَاهِمِهِ وَلِهَذَا مِنْهَا بِقَدْرِ دَرَاهِمِهِ.
قَالَ: هَذَا إذَا كَانَتْ مُعْتَدِلَةً في الْجَوْدَةِ وَالْحَالِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اسْتَوْدَعْت رَجُلًا حِنْطَةً فَخَلَطَهَا بِحِنْطَةٍ مِثْلِهَا فَضَاعَتْ الْحِنْطَةُ كُلُّهَا، أَيَضْمَنُ في قَوْلِ مَالِكٍ شَيْئًا أَمْ لَا؟ وَهَلْ يَرَى هَذَا مِثْلَ الدَّرَاهِمِ؟
قَالَ: إذَا كَانَتْ الْحِنْطَةُ وَاحِدَةٌ يُشْبِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَخَلَطَهَا عَلَى وَجْهِ الرَّفْعِ وَالْحِرْزِ، فَلَا أَرَى عَلَيْهِ في قَوْلِ مَالِكٍ ضَمَانًا.
قُلْت: فَإِنْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ لَا تُشْبِهُ حِنْطَتَهُ؟
قَالَ: أَرَاهُ ضَامِنًا في قَوْلِ مَالِكٍ، لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا حِينَ خَلَطَهَا بِمَا لَا يُشْبِهُهَا لِأَنَّهَا قَدْ تَلِفَتْ بِمَنْزِلَةِ الْحِنْطَةِ في الشَّعِيرِ.

.فيمَنْ خَلَطَ دَرَاهِمَ فَضَاعَتْ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الدَّرَاهِمَ إذَا خَلَطَهَا فَضَاعَ بَعْضُهَا، أَيَكُونُ الضَّيَاعُ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَيَكُونَانِ شَرِيكَيْنِ فيمَا بَقِيَ بِقَدْرِ مَا لِهَذَا فيهَا وَبِقَدْرِ مَا لِهَذَا فيهَا قَالَ: نَعَمْ إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَتَخَلَّصَ دَرَاهِمَ هَذَا مِنْ دَرَاهِمِ هَذَا.
قَالَ: فَإِنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ هَذَا تُعْرَفُ مِنْ دَرَاهِمِ هَذَا فَمُصِيبَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْهُ، لِأَنَّ دَرَاهِمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْرُوفَةٌ.

.فيمَنْ اسْتَوْدَعَ رَجُلًا حِنْطَةً فَخَلَطَهَا صَبِيُّ بِشَعِيرٍ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اسْتَوْدَعْت رَجُلًا حِنْطَةً فَخَلَطَهَا صَبِيٌّ بِشَعِيرٍ لِلْمُسْتَوْدَعِ أَيَضْمَنُ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في الصَّبِيِّ: مَا اسْتَهْلَكَ الصَّبِيُّ مِنْ مَتَاعٍ أَوْ أَفْسَدَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ أَخَذَهُ مِنْ مَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَهُوَ في ذِمَّتِهِ دَيْنًا يُتْبَعُ بِهِ.
فَالْجَوَابُ في مَسْأَلَتِكَ أَنَّ الصَّبِيَّ ضَامِنٌ لِشَعِيرٍ مِثْلِ شَعِيرِ الْمُسْتَوْدَعِ، وَضَامِنٌ لِحِنْطَةٍ مِثْلِ حِنْطَةِ الْمُسْتَوْدَعِ إلَّا أَنْ يَشَاءَا أَنْ يَتْرُكَا الصَّبِيُّ وَيَكُونَانِ في الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ شَرِيكَيْنِ، هَذَا بِقِيمَةِ حِنْطَتِهِ وَهَذَا بِقِيمَةِ شَعِيرِهِ.
قُلْت: أَبِقِيمَةِ حِنْطَتِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ؟
قَالَ: لَا، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إلَى كَيْلِ حِنْطَةِ هَذَا فَتُقَوَّمُ، وَإِلَى كَيْلِ شَعِيرِ هَذَا فيقَوَّمُ فيكُونَانِ شَرِيكَيْنِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَنَا أَغْرَمُ لَكَ مِثْلَ شَعِيرِكَ هَذَا أَوْ مِثْلَ حِنْطَتِكَ وَآخُذُ هَذَا كُلَّهُ، أَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ أَمْ لَا قَالَ: لَا يَكُونُ ذَلِكَ لَهُ وَلَا يَحِلُّ هَذَا إلَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي خَلَطَهُ، فيكُونُ ذَلِكَ لَهُ وَيَكُونُ ضَامِنًا لِمِثْلِ الْحِنْطَةِ الَّتِي خَلَطَهَا.
قُلْت: لِمَ أَحْلَلْتَهُ هَهُنَا إذَا كُنْتُ أَنَا الَّذِي خَلَطْتُهُ وَلَمْ تُحِلَّهُ في الْوَجْهِ الْآخَرِ؟
قَالَ: لِأَنَّ هَذَا قَضَاءٌ قَضَاهُ حِنْطَةً وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَفي الْوَجْهِ الْآخَرِ إنَّمَا هُوَ بَيْعٌ فَلَا يَحِلُّ.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: هَذَا رَأْيِي.

.فيمَنْ اُسْتُوْدِعَ دَرَاهِمَ وَحِنْطَةً فَأَنْفَقَهَا:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنِّي اسْتَوْدَعْت رَجُلًا دَرَاهِمَ وَحِنْطَةً فَأَنْفَقَ بَعْضَ الدَّرَاهِمِ أَوْ أَكَلَ بَعْضَ الْحِنْطَةِ أَيَكُونُ ضَامِنًا لِجَمِيعِ الْحِنْطَةِ وَلِجَمِيعِ الدَّرَاهِمِ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يَكُونُ ضَامِنًا إلَّا لِمَا أَكَلَ أَوْ مَا أَنْفَقَ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ ضَامِنًا لَهُ.
قُلْت: فَإِنْ رَدَّ مِثْلَ الْحِنْطَةِ الَّتِي أَكَلَهَا في الْوَدِيعَةِ وَمِثْلَ الدَّرَاهِمِ الَّتِي أَنْفَقَهَا في الْوَدِيعَةِ أَيَسْقُطُ الضَّمَانُ عَنْهُ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ، يَسْقُطُ عَنْهُ الضَّمَانُ في الدَّرَاهِمِ وَالْحِنْطَةُ عِنْدِي بِمَنْزِلَتِهَا.
قُلْت: أَفيكُونُ الْقَوْلُ قَوْلُهُ في أَنَّهُ قَدْ رَدَّ ذَلِكَ في الْوَدِيعَةِ؟
قَالَ: نَعَمْ، وَيَحْلِفُ.
كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ.
قُلْت: وَلِمَ جَعَلَ مَالِكٌ الْقَوْلَ قَوْلَهُ؟
قَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: لَمْ آخُذْ مِنْهَا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، أَوْ قَالَ قَدْ تَلِفَتْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ.
قلت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ قَدْ تَسَلَّفَ الْوَدِيعَةَ كُلَّهَا فَرَدَّ مِثْلَهَا مَكَانَهَا، أَيُبَرَّأُ مِنْ الضَّمَانِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، كَذَلِكَ قَالَ لِي مَالِكٌ في الدَّرَاهِمِ، فَالْوَدَائِعُ كُلُّهَا مِثْلُ هَذَا إذَا رَدَّ مِثْلَهَا إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِهِ مِثْلَ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ في رَأْيِي.

.فيمَنْ اُسْتُوْدِعَ ثِيَابًا فَلَبِسَهَا أَوْ أَتْلَفَهَا ثُمَّ رَدَّ مِثْلَهَا في مَوْضِعِهَا فَضَاعَتْ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اسْتَوْدَعَنِي ثِيَابًا فَلَبِسْتُهَا فَأَبْلَيْتُهَا أَوْ بِعْتُهَا أَوْ أَتْلَفْتهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ ثُمَّ اشْتَرَيْت ثِيَابًا مِثْلَ صِفَتِهَا وَرِفْعَتِهَا وَطُولِهَا وَعَرْضِهَا فَرَدَدْتُهَا في مَوْضِعِ الْوَدِيعَةِ، أَيُبَرِّئُنِي مِنْ الضَّمَانِ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يُبَرِّئُكَ ذَلِكَ مِنْ الضَّمَانِ.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: هَذَا رَأْيِي، لِأَنَّ الرَّجُلَ لَوْ اسْتَهْلَكَ لِرَجُلٍ ثَوْبًا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ قِيمَتُهُ، فَلَمَّا ضَمِنَ هَذَا الْمُسْتَوْدَعُ بِاسْتِهْلَاكِهِ الْقِيمَةِ لَمْ يُجْزِهِ أَنْ يُخْرِجَ ثِيَابًا مَكَانَ الْقِيمَةِ وَلَا يُبَرَّأُ بِذَلِكَ.

.اسْتَوْدَعَ رَجُلًا أَوْ قَارَضَهُ ثُمَّ طَلَبهَا فَقَالَ رَدَدْتُهَا إلَيْكَ أَوْ ضَاعَتْ مِنِّي:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اسْتَوْدَعْت رَجُلًا وَدِيعَةً أَوْ قَارَضْتُهُ، فَلَمَّا جِئْت أَطْلُبُهَا مِنْهُ قَالَ: قَدْ دَفَعْتهَا إلَيْك أَيُصَدَّقُ وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: في الرَّجُلِ يَسْتَوْدِعُ الرَّجُلَ الْوَدِيعَةَ أَوْ يُقَارِضُهُ.
قَالَ: إنْ كَانَ إنَّمَا دَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ بِبَيِّنَةٍ، فَإِنَّهُ لَا يُبَرِّئُهُ مِنْ الْمَالِ إذَا قَالَ قَدْ دَفَعْتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ، وَإِنْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ دَفَعَ الْمَالَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَوْدَعِ وَالْمُقَارَضِ إذَا قَالَ: قَدْ رَدَدْتُهَا إلَيْكَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ دَفَعْتُ الْمَالَ إلَيْهِ قِرَاضًا أَوْ اسْتَوْدَعْتُهُ بِبَيِّنَةٍ فَقَالَ قَدْ ضَاعَ الْمَالُ مِنِّي، أَيَكُونُ مُصَدَّقًا في ذَلِكَ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: هُوَ مُصَدَّقٌ في ذَلِكَ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ قَدْ سُرِقَ مِنِّي؟
قَالَ: نَعَمْ.

.فيمَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا لِيَدْفَعَهُ إلَى رَجُلٍ آخَرَ:

قَالَ: وَلَقَدْ سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَدْفَعُ إلَى الرَّجُلِ الْمَالَ لِيَدْفَعَهُ إلَى رَجُلٍ بِبَعْضِ الْبُلْدَانِ، فيقْدَمُ الَّذِي بَعَثَ مَعَهُ الْمَالَ فيقُولُ لَهُ صَاحِبُ الْمَالِ مَا فَعَلْت بِالْمَالِ فيقُولُ لَهُ: قَدْ دَفَعْته إلَى الَّذِي أَمَرْتنِي.
وَيُنْكِرُ الَّذِي بَعَثَ بِالْمَالِ إلَى أَنْ يَكُونَ هَذَا قَدْ دَفَعَ إلَيْهِ شَيْئًا.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَأْمُورِ بِالدَّفْعِ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ دَفَعَ وَإِلَّا غَرِمَ.
قُلْت: بِبَيِّنَةٍ دَفَعَ إلَيْهِ أَمْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، أَهُوَ سَوَاءٌ في هَذَا عِنْدَ مَالِكٍ في الْوَجْهَيْنِ؟
قَالَ: نَعَمْ قَالَ: ابْنُ الْقَاسِمِ: فَقُلْت لِمَالِكٍ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ حِينَ أَخَذَهُ مِنْهُ قَالَ: لَهُ إنِّي أَدْفَعُهُ إلَيْهِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَأَنَا أَسْتَحِي أَنْ أُشْهِدَ عَلَيْهِ، ثُمَّ زَعَمَ أَنَّهُ قَدْ دَفَعَهُ إلَيْهِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ.
قَالَ: إنْ صَدَّقَهُ رَبُّ الْمَالِ عَلَى هَذِهِ الْمَقَالَةِ، أَوْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ قَالَ: فَقُلْت لِمَالِكٍ: فَإِنْ قَالَ الْمَأْمُورُ قَدْ رَجَعْتُ بِهَا وَرَدَدْتُهَا إلَيْكَ وَلَمْ أَجِدْ صَاحِبَكَ الَّذِي بَعَثْتَ بِهَا مَعِي إلَيْهِ، وَأَنْكَرَ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَكُونَ رَدَّهَا إلَيْهِ؟
قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَأْمُورِ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ قَبَضَهَا مِنْهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ أَوْ كَانَ قَبَضَهَا مِنْهُ بِبَيِّنَةٍ، أَهُوَ سَوَاءٌ؟
قَالَ: إنْ كَانَ قَبَضَهَا مِنْ رَبِّهَا بِبَيِّنَةٍ، فَأَرَى أَنَّهُ لَا يُبَرَّأُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ قَدْ رَدَّهَا إلَى رَبِّهَا وَإِلَّا غَرِمَهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَهَا مِنْ رَبِّهَا بِبَيِّنَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَهُوَ رَأْيِي.
قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: الْوَرَثَةُ ضَامِنُونَ، وَيَلْزَمُهُمْ مَا كَانَ يَلْزَمُ أَبَاهُمْ مِنْ بَيِّنَةٍ تَقُومُ أَوْ تَصْدِيقُ الْمَبْعُوثِ إلَيْهِ.

.فيمَنْ بُعِثَ مَعَهُ مَالٌ إلَى رَجُلٍ فَهَلَكَ الرَّسُولُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ أَوْ بَعْدَ مَا بَلَغَ:

قَالَ: وَلَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ بُعِثَ إلَى رَجُلٍ بِمَالٍ في بَلَدٍ، فَقَدِمَ الْبَلَدَ فَهَلَكَ الرَّسُولُ بِذَلِكَ الْبَلَدِ بَعْدَ مَا قَدِمَهُ، ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْبِضَاعَةِ كَتَبَ إلَى الرَّجُلِ يَسْأَلُهُ: هَلْ قَبَضْتَهَا فَكَتَبَ إلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْ إلَيَّ شَيْئًا قَالَ: يَحْلِفُ وَرَثَةُ الرَّسُولِ إنْ كَانَ فيهِمْ كَبِيرٌ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ لَهُ سَبَبًا وَلَا شَيْءَ لِرَبِّ الْمَالِ في مَالِ الرَّسُولِ.
قَالَ: فَقُلْت لِمَالِكٍ: أَفَرَأَيْتَ إنْ هَلَكَ الرَّسُولُ في الطَّرِيقِ وَلَمْ يُوجَدْ لَهُ أَثَرٌ فَقَالَ: مَالِكٌ مَا أَحْرَاهُ أَنْ يَكُونَ في مَالِهِ ثُمَّ كَلَّمْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ في الرَّسُولِ إذَا مَاتَ في الطَّرِيقِ؟
قَالَ: أَرَاهُ في مَالِهِ وَضَمَانُهُ عَلَيْهِ إذَا هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الْبَلَدَ الَّذِي فيهِ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِ بِالْمَالِ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا هَلَكَ بِبَلَدٍ وَقِبَلَهُ قَرْضُ دَنَانِيرَ وَقِرَاضٌ وَوَدَائِعُ فَلَمْ يُوجَدْ لِلْوَدَائِعِ وَلَا لِلْقِرَاضِ سَبَبٌ، وَلَمْ يُوصِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ: أَهْلُ الْقِرَاضِ وَأَهْلُ الْوَدَائِعِ وَالْقِرَاضِ يَتَحَاصُّونَ في جَمِيعِ مَالِهِ عَلَى قَدْرِ أَمْوَالِهِمْ.
قَالَ: فَقُلْنَا لِمَالِكٍ فَإِنْ ذَكَرهَا قِبَلَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ أَنَّ هَذَا مَالُ فُلَانٍ الَّذِي قَارَضَنِي بِهِ وَهَذِهِ وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ.
قَالَ: إنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُتَّهَمُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ في ذَلِكَ وَذَلِكَ لِلَّذِي سُمِّيَ لَهُ.

.فيمَنْ بُعِثَ مَعَهُ بِمَالٍ صِلَةً أَوْ صَدَقَةً فَقَالَ قَدْ دَفَعْتُهُ:

قَالَ: وَلَقَدْ سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَبْعَثُ بِالْمَالِ مَعَ رَجُلٍ صِلَةً لِرَجُلٍ لِيَدْفَعَهُ إلَيْهِ، فيقُولُ: قَدْ دَفَعْته إلَيْهِ.
وَيَقُولُ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِ: لَمْ يَدْفَعْهُ إلَيَّ؟
قَالَ: إنْ لَمْ يَكُنْ لِلرَّسُولِ بَيِّنَةٌ عَلَى دَفْعِهِ إيَّاهُ غَرِمَ.
قَالَ: وَالصَّدَقَةُ إذَا بُعِثَ بِهَا إلَى رَجُلٍ، أَوْ بَعَثَ مَعَهُ بِمَالٍ إلَى رَجُلٍ لِيَدْفَعَهُ إلَيْهِ وَلَيْسَ بِصَدَقَةٍ فَهُوَ سَوَاءٌ، لَا يُبَرَّأُ بِقَوْلِهِ إنَّهُ قَدْ دَفَعَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُ أَنْ يُفَرِّقَهَا عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ يَقْسِمُهَا لَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ أَنَّهُ قَدْ فَرَّقَهَا وَيَحْلِفُ.
وَإِنَّمَا سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ ذَكَرَ أَنَّ الصَّدَقَةَ - وَإِنْ كَانَتْ مَبْعُوثَةً إلَى رَجُلٍ - فَإِنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِقَضَاءِ الْقَرْضِ وَالشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ وَمَا أَشْبَهَهُ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الصَّدَقَةُ إذَا كَانَتْ إنَّمَا بُعِثَتْ لِرَجُلٍ وَالْقَرْضُ وَالِاشْتِرَاءُ وَالْبَيْعُ كُلُّهُ سَوَاءٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُ أَنْ يُفَرِّقَهَا في غَيْرِ قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ، فيكُونُ الْقَوْلُ قَوْلُ الرَّسُولِ مَعَ يَمِينِهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ بَعَثْتُ مَعَهُ بِصَدَقَةٍ أَوْ بِمَالِ، وَأَمَرْتُهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى عَشَرَةِ رِجَالٍ بِأَعْيَانِهِمْ فَأَنْكَرُوا؟
قَالَ: الْوَاحِدُ وَالْعَشَرَةُ إذَا كَانُوا بِأَعْيَانِهِمْ سَوَاءٌ في قَوْلِ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ صَدَّقَهُ بَعْضُهُمْ وَكَذَّبَهُ بَعْضُهُمْ؟
قَالَ: يُبَرَّأُ - في قَوْلِ مَالِكٍ - مِنْ حَظِّ مَنْ صَدَّقَهُ وَيَضْمَنُ حَظَّ مَنْ كَذَّبَهُ.

.فيمَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا أَوْ وَدِيعَةً بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ مَا ذَكَرْتَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: إذَا دَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ وَدِيعَةً أَوْ قِرَاضًا بِبَيِّنَةٍ، فَقَالَ الَّذِي أَخَذَ الْمَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: قَدْ رَدَدْتُهُ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِقَوْلِهِ إنِّي قَدْ رَدَدْتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ.
قُلْت: لِمَ قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ أَلَيْسَ أَصْلُ أَخْذِهِ هَذَا الْمَالَ أَمَانَةً؟ فَلِمَ لَا يُبَرَّأُ بِقَوْلِهِ إنِّي قَدْ رَدَدْتُهُ، وَقَدْ قُلْت: قَدْ قَالَ مَالِكٌ: إذَا قَالَ قَدْ ضَاعَ مِنِّي: أَنَّهُ يُصَدَّقُ وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، فَلِمَ لَا يُصَدَّقُ إذَا قَالَ: قَدْ رَدَدْتُهُ؟
قَالَ: لِأَنَّهُ حِينَ دَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ قَدْ اسْتَوْثَقَ مِنْهُ الدَّافِعُ، فَلَا يُبَرَّأُ حَتَّى يَتَوَثَّقَ هُوَ أَيْضًا إذَا دَفَعَ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْمَالِ أَمَانَةً فَإِنَّهُ لَا يُبَرَّأُ إلَّا بِالْوَثِيقَةِ.
قُلْت: فَلِمَ قَالَ مَالِكٌ: إذَا بَعَثَ بِالْمَالِ مَعَهُ لِيَدْفَعَهُ إلَى رَجُلٍ، فَقَالَ: قَدْ دَفَعْتُهُ إلَى مَنْ أَمَرْتَنِي.
أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ قَدْ دَفَعَهُ، وَإِنْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ حِينَ بَعَثَ بِالْمَالِ مَعَهُ دَفَعَهُ إلَى الرَّسُولِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، فَهُوَ سَوَاءٌ لَا يُبَرَّأُ الرَّسُولُ حَتَّى يَدْفَعَ الْمَالِ إلَى الْمَبْعُوثِ إلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ، لِمَ قَالَ مَالِكٌ هَذَا؟ أَوَلَيْسَ هَذَا الْمَبْعُوثُ مَعَهُ بِالْمَالِ أَمِينًا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُتْلِفَ مَالَهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ لَهُ أَنَّهُ قَدْ دَفَعَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَبْعُوثَ إلَيْهِ بِالْمَالِ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَالُ دَيْنًا لَهُ عَلَى الَّذِي أَرْسَلَهُ إلَيْهِ أَنَّ هَذَا الرَّسُولَ إنْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ فَقَدْ أَتْلَفَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَرْسَلَ إلَيْهِ بِهَذَا الْمَالِ لِيَشْتَرِيَ لَهُ بِهِ سِلْعَةً، فَأَعْطَاهُ الرَّسُولُ الْمَالَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشْهِدَ فَقَدْ أَتْلَفَهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ الْمُقَارَضُ أَوْ الْمُسْتَوْدَعُ: قَدْ بَعَثْتُ إلَيْكَ بِالْمَالِ مَعَ رَسُولِي أَيَضْمَنُ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ قَالَ: نَعَمْ، يَضْمَنُ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَبُّ الْمَالِ أَمَرَهُ بِذَلِكَ.

.فيمَنْ اسْتَوْدَعَ رَجُلًا مَالًا فَاسْتَوْدَعَهُ غَيْرَهُ ثُمَّ رَدَّهُ فَضَاعَ عِنْدَهُ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اسْتَوْدَعْت رَجُلًا مَالًا فَاسْتَوْدَعَهُ غَيْرَهُ، ثُمَّ أَخَذَهُ مِنْهُ فَضَاعَ عِنْدَهُ، أَيَضْمَنُ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا أَنْفَقَ مِنْهَا ثُمَّ رَدَّ مَا أَنْفَقَ في الْوَدِيعَةِ، أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ.
فَكَذَلِكَ هَذَا في مَسْأَلَتِكَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ.

.فيمَنْ اسْتَوْدَعَ رَجُلًا فَجَحَدَهُ فَأَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اسْتَوْدَعْت رَجُلًا بِبَيِّنَةٍ فَجَحَدَنِي وَدِيعَتِي ثُمَّ أَقَمْت عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ، أَتُضَمِّنَّهُ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ هُوَ ضَامِنٌ في قَوْلِ مَالِكٍ، لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: إذَا دَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ بِبَيِّنَةٍ وَزَعَمَ الْمُسْتَوْدَعُ أَنَّهُ قَدْ رَدَّ الْمَالَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ، فَالْجُحُودُ أَبْيَنُ عِنْدِي في الضَّمَانِ.

.ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهَا وَدِيعَةٌ وَقَدْ ضَاعَتْ وَادَّعَى الْآخَرُ أَنَّهُ قَرْضٌ وَأَنَّهُ سَلَفٌ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ اسْتَوْدَعْتنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَضَاعَتْ مِنِّي، وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: بَلْ أَقْرَضْتُكَهَا قَرْضًا؟
قَالَ مَالِكٌ: الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ.
قُلْت: فَإِنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ لَمْ أَسْتَوْدِعْكَهَا وَلَكِنَّكَ غَصَبْتَنِيهَا؟
قَالَ: الْغَصْبُ عِنْدِي لَا يُشْبِهُ الْقَرْضَ لِأَنَّ الْغَصْبَ مِنْ وَجْهِ التَّلَصُّصِ.
قَالَ: وَهَذَا يَدَّعِي عَلَيْهِ في الْغَصْبِ بَابُ فُجُورٍ، فَلَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ.
قُلْت: أَفَلَا يُصَدِّقُهُ في ضَمَانِ الْمَالِ؟
قَالَ: لَا إذَا قَالَ غَصَبْتَنِي، لِأَنِّي إذَا أَبْطَلْتُ قَوْلَهُ في بَعْضٍ أُبْطِلُهُ في كُلِّهِ.
قُلْت: أَتَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا.
قُلْت: فَإِنْ قَالَ: اسْتَوْدَعَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَضَاعَتْ مِنِّي، وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ بَلْ أَوْفيتُكَهَا مِنْ قَرْضٍ كَانَ لَك عَلَيَّ؟
قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ في رَأْيِي.
قُلْت: فَإِنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ لَمْ أَسْتَوْدِعْك وَلَكِنِّي رَدَدْتُهَا عَلَيْكَ مِنْ مَالِ الْمُقَارَضَةِ الَّتِي كَانَتْ لَك عِنْدِي؟
قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: لَمْ أَسْتَوْدِعْك وَلَكِنَّك سَرَقْتَهَا؟
قَالَ: لَا أَرَى أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ أَنَّهُ سَرَقَهَا، لِأَنَّ في هَذَا بَابُ فُجُورٍ يَرْمِيهِ وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ لِي عَلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنْ قَرْضٍ.
وَلِي عِنْدَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً، فَأَعْطَانِي أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ بَعَثَ بِهَا لِي، ثُمَّ لَقِيَنِي بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ: الْأَلْفُ الَّتِي بَعَثْتُ بِهَا إلَيْك هِيَ السَّلَفُ الَّذِي كَانَ لَكَ عَلِيّ وَقَدْ ضَاعَتْ الْوَدِيعَةُ، وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: بَلْ إنَّمَا بَعَثْتُ إلَيَّ الْوَدِيعَةِ الَّتِي كَانَتْ لِي عِنْدِكَ، وَالسَّلَفُ لِي عَلَيْكَ عَلَى حَالِهِ؟
قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَوْدَعِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ مُصَدَّقٌ في ذَهَابِ الْوَدِيعَةِ وَهُوَ يَقُولُ: قَدْ ذَهَبَتْ الْوَدِيعَةُ عِنْدِي وَلَمْ أَبْعَثْ بِهَا إلَيْكَ، وَهُوَ مُصَدَّقٌ.
فَالْأَلْفُ الَّتِي قَبَضَهَا رَبُّ الْمَالِ تَصِيرُ هِيَ الدَّيْنُ الَّذِي كَانَ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ.